الــعــربفـونـيــة في عصر العولمة

  • في التاريخ شواهد عديدة على أن القوى الكبرى أرادت أن تفرض لغتها وثقافتها على العالم لتهيمن عليه.
  • إن انتشار اللغة العربية مهمة ليست صعبة إذا توافر الجهد اللازم واللائق خاصة أن هناك العديد من الدول الإسلامية غير الناطقة بالعربية في أرجاء العالم، ويتحدث بها الآن نحو 422 مليونًا.
  • إن مشروعًا يستهدف انتشار اللغة العربية في العالم لابد أن ينطلق من مجتمعات تعرف قيمة لغتها وتراثها الحضاري والثقافي بكل المعاني.

          من بين ظواهر العولمة المستحدثة في عالمنا العربي اليوم ما نراه من بعض الشباب الذين يحرصون على تطعيم حواراتهم وأحاديثهم بكلمات من لغات أجنبية، خصوصا الإنجليزية والفرنسية، بل إنهم أحيانا، يفعلون العكس، إذ يطعمون حديثهم بعدد محدود جدًا من المفردات العربية بدعوى أنهم يفضلون التحدث باللغات الأجنبية، لاعتقادهم بأنها لغات حضارية في مقابل لغتهم الأم الدونية في تصورهم!

 

الحقيقة أن هذه الظاهرة تستحق أكثر من وقفة لتأمل أسبابها من جهة، والتعرف على مدلولاتها، من جهة أخرى، والتصدي لها باعتبارها نتيجة من نتائج استهداف الثقافة الغربية لدول المستعمرات القديمة والدول الضعيفة ثقافيا، لإدراجها ضمن المظلة الثقافية للثقافة الغربية، للسيطرة عليها بنشر ثقافتها عبر نشر لغتها أولا كما أسلفت في مقال سابق، لكن هذه الظاهرة من جهة أخرى تستدعي أن نحاول تدبّر واقع لغتنا العربية، وبحث سبل دعم مقاومتها لطوفان الهيمنة اللغوية القادم من الدول الغربية، خاصة تلك الناطقة باللغتين الإنجليزية والفرنسية.

ومن البديهي أن موضوع اللغة لدى تلك الدول لا يعتبر عابرا أو مجرد تطور طبيعي لبديهيات، كونها لغات المجتمعات التي تنتج المعرفة والعلوم ولغة العصر الحديث تقنيا، بل يتعدى الأمر ذلك إلى خطط محكمة تبذل لأجلها جهود جبارة في أرجاء العالم، وتنفق عليها مليارات الدولارات.

الهيمنة باللغة

وفي التاريخ العديد من الشواهد التي تكشف بجلاء كيف أن اللغة والثقافة وانتشارهما كانا أحد أهم أهداف كل القوى الكبرى، التي أرادت أن تفرض لغتها وثقافتها على العالم لتهيمن عليه. وعلى سبيل المثال فإن الولايات المتحدة الأمريكية بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية أدركت أن لغة السلاح والقوة لم تعد، وحدها، اللغة المناسبة للسيطرة على العالم، خاصة بعد انتهاء المرحلة الاستعمارية وحصول أغلب دول العالم التي تعرضت للاحتلال على استقلالها، وبعد أن وقّعت أغلب الدول اتفاقات دفاع مشترك، ووثائق حقوق إنسان، وظهر جلياً أن العالم الغربي يتجه إلى استراتيجيات جديدة، فوضعت الولايات المتحدة استراتيجية لنشر اللغة الإنجليزية والثقافة الأمريكية في أرجاء العالم، عبر وسائط ثقافية شديدة التأثير واسعة الانتشار، أبرزها السينما الأمريكية والفيلم الأمريكي، الذي حقق تفوقاً باهراً فرض انتشاره على الشاشات ودور العرض والتلفازات في أغلب دول العالم، واليوم تشكو، حتى أقوى دول أوربا، من ازدياد نفوذ الولايات المتحدة وتأثيرها على الثقافة المحلية لمواطنيها. وكان تأثير السينما الأمريكية قوياً حتى على طبقة المثقفين والأدباء في دول العالم، وخاصة ما يسمى بالعالم الثالث، حتى أن الروائي الكبير الحائز جائزة نوبل، نجيب محفوظ، كان من أشد الحريصين على مشاهدة الأفلام الأمريكية التي كانت تعرض في مصر، وكان يرى أن السينما المصرية في ذلك الوقت كانت تنقل، على اللغة العربية، السينما الأمريكية.

ولعل النموذج الأبرز في هذا الشأن، بعد الولايات المتحدة الأمريكية هو المنظمة الدولية للفرانكفونية، التي تجسّد أحد ردود الفعل على التأثير الأمريكي على ثقافات العالم، والتي تعكس أيضاً مدى رغبة فرنسا في نشر ثقافتها بدورها، للحفاظ على قوتها ونفوذها في العالم. وقد تأسست هذه المنظمة في العام 1960 وأصبحت تجمعا دوليا منظما يعد اليوم ثاني أكبر تجمع دولي بعد الأمم المتحدة يضم «خمساً وأربعين» دولة ناطقة كلياً أو جزئياً باللغة الفرنسية، حيث تشكل اللغة الفرنسية الرابط المؤسس لهذه المنظمة. وتفترش الدول الأعضاء فيها مساحات مهمة من أربع قارات: أوربا، آسيا، إفريقيا وأمريكا الشمالية.

تاريخ الفرانكفونية

تشكّلت الفرانكفونية كمنظمة دولية في عام 1960 وعقدت أول قمة لها في باريس عام 1986 وبعدها توالى عقد دورات القمم الفرانكفونية مرة كل عامين في إحدى الدول الأعضاء، أكثر من نصفها دول أفريقية، لعله الحنين للمستعمرات القديمة، وكانت بيروت محطتها التاسعة.

والمعروف أن الفرانكفونية في أساسها تمثل هدفا ثقافياً لحماية اللغة الفرنسية والثقافة الفرنسية، والترويج لها، ثم أضيفت إليها لاحقاً أهداف اقتصادية واجتماعية وسياسية، إلا أنها مازالت أهدافا مكتوبة حتى اليوم، ويظل بعدها الثقافي هو المهيمن على نشاطاتها المتعددة. لكن الهدف منها هو توسيع نفوذ فرنسا في العالم وتحويلها لقوة كبرى، كما أعلن العديد من القادة والرؤساء الفرنسيين وبينهم الرئيس الفرنسي الأسبق جوسبان قبل سنوات عدة.

وقد ظهر أول تجمع فرانكفوني عام 1969 خارج فرنسا في مدينة «نيامي» (عاصمة النيجر) على يد مجموعة من القيادات الإفريقية، التي نادت بضرورة إقامة منظمة دولية تجمع بين الدول التي تشترك في اللغة والثقافة الفرنسيتين، وبالتالي لم تكن فكرة فرنسية، بل فكرة الرئيس السنغالي «ليوبولد سنجور»، والرئيس التونسي «بورقيبة»، والنيجيري «حماني ديبوري».

وبدأت مؤسسات كثيرة بفكرة الفرانكفونية من أجل العمل على إدارة نشاطاتها، بداية «بالبعثة الفرنسية» عام 1883، تبعها «الفيدرالية العالمية للثقافة وانتشار اللغة الفرنسية» عام 1906، و«الجمعية العالمية للكتاب باللغة الفرنسية» عام 1947، و«الاتحاد العالمي للصحفيين والصحافة باللغة الفرنسية» عام 1952، و«المجلس العالي للفرنسية كلغة أوربية» عام 1957، و«اتحاد الجامعات الناطقة كليا أو جزئيا باللغة الفرنسية»  عام 1961، وتأسست «فيدرالية الجمعيات للانتشار الفرنسي» عام 1964، و«المنظمة الإفريقية الملجاشية المشتركة» عام 1965، و«اللجنة العليا للغة الفرنسية» عام 1966، و«المجلس العالمي للغة الفرنسية» عام 1967، و«مؤتمر الشباب والرياضة» عام 1969، و«وكالة التعاون الثقافي والتقني»ACCT عام 1970، و«الجمعية الفرانكفونية للاستقبال والاتصال» عام 1974، و«الرابطة الدولية لرؤساء البلديات والمسئولين عن العواصم والمدن الكبرى التي تستعمل اللغة الفرنسية كليا أو جزئيا» عام 1979، و«المجلس الأعلى للفرانكفونية» عام 1984، و«المجلس الأعلى للغة الفرنسية» عام 1989، و«جامعة سنجور» عام 1989.

بالإضافة إلى عقد مؤتمرات القمة التي تجمع بين رؤساء الدول والحكومات التي تستخدم اللغة الفرنسية، وكان أول هذه المؤتمرات عام 1986 «مؤتمر فرساي» الذي عقد في فرنسا في عهد الرئيس السابق فرانسوا ميتران (1981-1995) الذي أعطى الفرانكفونية مجهودًا وزخمًا كبيرًا للرقي بها إلى مستوى العالمية، ويعد هذا المؤتمر بداية جدية لتفعيل دور الفرانكفونية عالميًّا، فقد حضرته 41 دولةً ناطقةً باللغة الفرنسية؛ سواء بشكلٍ كلي أو جزئي مثَّلها فيها رؤساء دول وحكومات ووزراء من مختلف قارات العالم، ثم تبعه عدة مؤتمرات أخرى.

كما تشير التقارير الخاصة بمتابعة نشاط المنظمة الدولية للفرانكفونية إلى أنها تضم خمساً وخمسين دولةً، منها ثلاث دول تشغل صفة مراقب وهي (بولندا وسلوفينيا وليتوانيا).. وتجتمع هذه الدول جميعها على رابطة اللغة المشتركة، وهي اللغة الفرنسية التي يبلغ عدد الناطقين بها من سكان دول المنظمة 500 مليون شخص منهم 175 مليونًا تعد الفرنسية لغتهم الأولى، وتبلغ ميزانية المنظمة الفرانكفونية 150 مليون يورو سنوياً.

إن هذا العدد من المنظمات والمؤسسات يترجم على المستوى العملي إلى آلاف من المراكز الثقافية، ومؤسسات تعليم اللغة والمدارس والجامعات في أرجاء واسعة في العالم، خاصة إفريقيا وآسيا، وأمريكا اللاتينية، بالإضافة إلى مراكز النشر والترجمة، ومؤسسات التمويل ودعم المشروعات الثقافية، بل والرياضية وغيرها، ويكشف مدى الجهد المبذول في سبيل انتشار الفرنسية في الدول التي لا تعتبرالفرنسية فيها لغة أصيلة. فالمعروف أن الثقافة الفرنسية مدعومة أيضا بـ 1060 مركزا ثقافيا موزعة على 140 دولة، وتقدم دروسا باللغة الفرنسية إلى أكثر من 370 ألف طالب، وتؤدي دورا بارزا في توثيق الروابط الثقافية والحضارية بين فرنسا والدول الموجودة فيها.. بالإضافة إلى ممارستها مجموعة مختلفة من النشاطات كالترجمة المتبادلة، وإقامة المعارض والمتاحف لأهم الإنجازات الحضارية العالمية القديمة والحديثة، وعرض الأفلام السينمائية وغيرها، ورصد الثقافات المحلية والعمل على إبرازها بصورة مطبوعات أو أفلام مسجلة.

والحقيقة أن هذا الجهد الهائل أسفر عن تحدث نحو 180 مليون شخص بالفرنسية كلغة ثانية، ونحو 200 مليون شخص كلغة ثالثة بالإضافة إلى المتحدثين بها كلغة أولى والبالغ عددهم 80 مليون شخص فقط أي ان مجموع هؤلاء جميعا أقل من عدد المتحدثين باللغة العربية والذين يبلغون نحو 422 مليون شخص.

انتشارالعربية ممكن

وهو ما يجعل من فكرة انتشار اللغة العربية مهمة ليست صعبة إذا توافر لانتشارها الجهد اللازم، واللائق، خاصة أن هناك العديد من الدول الإسلامية من الدول غير الناطقة بالعربية في كل من إفريقيا وآسيا إضافة إلى دول الاتحاد السوفييتي السابقة والمناطق الإسلامية في الصين، وتركيا ودول البلقان المسلمة مثل البوسنة وألبانيا وكوسوفو، والعديد من دول أوربا وأمريكا حيث تنتشر الجاليات الإسلامية، فسوف يقبل كل هؤلاء على تعلم اللغة العربية لكونها لغة القرآن الكريم والدين الاسلامي الذي يحرصون على الالتزام به، ويفضلون أن يعرفوه عن اللغة الأصلية، بالإضافة إلى رغبتهم في فهم القرآن الكريم، والسيرة والحديث النبوي وكل ما يتعلق بالفقه الاسلامي. وهذا الربط الأساسي بين الدين الإسلامي واللغة العربية يجعل من نشر اللغة العربية في العالم أمرا ميسرا، ويؤسس كيانا لغويا تتبعه مصالح اقتصادية وقوة سياسية تتحول بها الدول العربية إلى كيان عالمي يأخذ مكانته بين الأمم والتكتلات الكبرى في العالم اليوم.

من جهة أخرى نجد أن وضع اللغة العربية في العالم وضع لا يستهان به، إذ إنها، وفقا لتعريفها في العديد من الموسوعات: تعد أكبر لغات المجموعة السامية من حيث عدد المتحدثين، وإحدى أكثر اللغات انتشارا في العالم، يتحدثها أكثر من 422 مليون نسمة، ويتوزع متحدثوها على منطقة الوطن العربي، بالإضافة إلى العديد من المناطق الأخرى المجاورة كالأهواز وتركيا وتشاد ومالي والسنغال وإرتيريا. وللغة العربية أهمية قصوى لدى المسلمين، فهي لغة القرآن الكريم. والعربية هي أيضا لغة طقسية رئيسية لدى عدد من الكنائس المسيحية في العالم العربي، كما كتبت بها الكثير من أهم الأعمال الدينية والفكرية اليهودية في العصور الوسطى. وأثر انتشار الإسلام، وتأسيسه دولا، ارتفعت مكانة اللغة العربية، وأصبحت لغة السياسة والعلم والأدب لقرون طويلة في الأراضي التي حكمها المسلمون، وأثرت العربية، تأثيرا مباشرا أو غير مباشر على كثير من اللغات الأخرى في العالم الإسلامي، كالتركية والفارسية والأردية والألبانية واللغات الإفريقية الأخرى، واللغات الأوربية كالروسية والإنجليزية والفرنسية والإسبانية والإيطالية والألمانية. كما أنها تدرس بشكل رسمي أو غير رسمي في الدول الإسلامية والدول الإفريقية المحاذية للوطن العربي.

كما أن العربية لغة رسمية في كل دول العالم العربي إضافة إلى كونها لغة رسمية في دول السنغال، ومالي، وتشاد، وإرتيريا. وقد اعتمدت العربية كإحدى لغات منظمة الأمم المتحدة الرسمية الست.

العربفونية تأكيد لمتانة الهوية

فما الذي يمنع أن تتبنى الحكومات العربية عبر جامعة الدول العربية مشروعا يشبه الفرانكفونية، يهتم بنشر اللغة العربية كخطوة أساسية لنشر الثقافة العربية القديمة والمعاصرة في أرجاء العالم، تأكيدا للجوانب المشرقة في هذه الحضارة من جهة، ولدعم الموقف العربي في سباق التطور العالمي من جهة أخرى، ولتأسيس دور عربي قوي في المجتمع العالمي يؤكد قدرته على التحاور مع العالم والدخول في عصر العولمة من موقع قوة وندية، مؤسسة على اللغة والإحساس بمتانة الهوية باعتبارها تستند إلى تراث ثقافي وعلمي وفكري وفلسفي لا يستهان به.

إن مثل هذا الدور الآن أصبح ضروريا ومهما للعديد من الأسباب، ليس فقط على صعيد نشر اللغة، بل لدعم الموقف العربي والثقافة العربية التي باتت اليوم تختزل في الكثير من أرجاء العالم الغربي، ممن لا يعرفون الإسلام، بكونها ثقافة الكراهية والحض على القتل والتدمير، والتأكيد على أن الثقافة العربية لها امتدادات وأصول أسهمت في بناء التراث الثقافي العالمي في مراحل عدة من تاريخها.

كما أن هناك هدفا مهما يمكن أن يتحقق من انتشار اللغة العربية وهو استعادة الشباب العرب للإحساس بمدى قوة الثقافة التي ينتمون إليها، وبالتالي تنحسر تلك الموجة من استخدام اللغات الأخرى الأجنبية في لغة الحوار كنوع من الوجاهة الثقافية، إضافة إلى استعادتها في العديد من أوجه استخدام الشعارات الدعائية والإعلانية والإعلامية، بديلا من الأسماء اللاتينية والكلمات الغربية، التي تدخل في نسيج الإعلام العربي اليوم بشكل غير مسبوق.

وكما يتضح من التجارب التي استهدفت نشر ثقافتها أن هذا الانتشار لا يمكن أن يتحقق إلا بالتخطيط والتنسيق الجيد وتوفير المؤسسات الراعية للجهود من هذا النوع بين الحكومات العربية والمؤسسات الخاصة المالية والثقافية. ولدينا عدد منها قادر على المساهمة في مثل هذا التخطيط والتنسيق. ويمكننا التذكير هنا بمؤسسات عربية مثل مؤسسة دار سعاد الصباح والبابطين في الكويت، ومؤسسة الفكر العربي ومؤسسة الحريري في لبنان، ومنتدى الفكر العربي ومؤسسة شومان في الأردن، وهناك العديد من مثل هذه المؤسسات في البلاد العربية. ويمكن أن توكل للجامعة العربية مهمة القيام بهذا الدور المهم، وفي رعاية المشروع والتنسيق بين المساهمين فيه بشكل عام.

وهناك مؤسسات عدة أخرى يجب أن يكون لها دور في هذا المشروع، وبينها أجهزة الإعلام والفضائيات، فالملاحظ اليوم أن الغرب هو الذي يتوجه إلينا عبر بث قنوات خاصة موجهة للعالم العربي باللغة العربية، من بينها قناة فرنسية (Tv 5)، وألمانية (DW)، والــ«بي بي سي» العربية من بريطانيا، وروسيا اليوم، والحرة من الولايات المتحدة، إضافة للقناة الصينية الجديدة.

وينبغي أن نتوجه نحن للعالم بثقافتنا، وأفلامنا السينمائية الجيدة، والمسلسلات الدرامية التاريخية، وتلك التي تعبر عن ثقافتنا وحياتنا المعاصرة، بدلا من دبلجة المسلسلات الأجنبية إلى لغاتنا العامية. إضافة إلى المسرحيات من لطائف ما انتجه المسرح العربي، عبر إنتاج برامج تعليم للغة العربية، وبرامج وثائقية عن الفنون والآداب والتاريخ والثقافة العربية.

ولا بد للدول العربية أن تهتم بإنشاء مدارس تعليم اللغة العربية لمن يريدها في دول العالم، خاصة في دول العالم الإسلامي والجوار العربي.

ومن الجهات المنوط بها ذلك أيضاً دور النشر الحكومية التي يمكنها أن تؤسس مشروعا للكتب الخاصة بتعليم اللغة العربية، وأخرى من الأعمال المترجمة والتي يمكن أن تنشر بالعربية وأي لغة أخرى بحسب المنطقة التي توجه إليها تلك الكتب. ولا ننسى أهمية تعليم اللغة العربية للجاليات الأجنبية التي تعيش بيننا في أوطاننا وتشاركنا في بناء أوطاننا، خاصة دول مجلس التعاون في منطقة الخليج العربي.

وبذلك يمكن أن نقدم للعالم رؤانا نحن عن أنفسنا، وأن نقدم لهم الجوانب المضيئة لتراثنا وجوانب من تاريخنا وفنوننا وآدابنا، وعاداتنا وتقاليدنا وقيمنا، وواقعنا كما هو، لا كما يرغب البعض في تصويره، أو كما يراد له أن يكون.

كما يمكن لمجامع اللغة العربية أن تشارك في مثل هذا المشروع بما تراه، بالتضامن مع المؤسسات التي ترفع شعار حماية اللغة العربية، وهي كثيرة في كل من مصر ومنطقة شمال إفريقيا العربي، على نحو خاص ممن تتبنى شعارات إعطاء الأولوية للغة العربية على حساب الفرنسية.

ولا شك أن المؤسسات العربية العاملة في مجال الاتصالات والكثير من المستثمرين العرب في هذا المجال يقع عليهم عبء برمجة برامج لأجهزة الحاسب تيسر استخدامه باللغة العربية لغير الناطقين بها وللمستخدمين العرب.

لكن الأهم من هذا كله أن تستعيد اللغة العربية تألقها في مواطنها، عبر مناهج التعليم، وعبر إعداد معلمين أكفاء للغة العربية، والاهتمام بمستوى كليات التربية المتخصصة في اللغة العربية، والتي تعاني اليوم من الكثير من الأوضاع السيئة، التي تؤدي إلى تخريج أجيال من المعلمين الذين يحتاجون إلى المزيد من التدريب والإعداد. وأن تستعيد القراءة مكانتها وأن يتم التشجيع عليها، وفرضها في مناهج التعليم، وأن تساهم وزارات الإعلام العربي بالتدخل والتوجيه للرفع من مكانة اللغة العربية في جميع البرامج العربية.

إن مشروعا يستهدف انتشار اللغة العربية في العالم لا بد أن ينطلق من مجتمعات تعرف قيمة لغتها وتراثها الحضاري والثقافي بكل المعاني.

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*